الشعوب المستعبدة بالفطرة-يونس إمغران
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
مساحة للنقاش

الشعوب المستعبدة بالفطرة

  يونس إمغران    

حينما انتفضت بعض الشعوب العربية – منذ عامين تقريبا - ضد أنظمتها الفاسدة و المستبدة، كان الأمر طبيعيا و مفهوما و منتظرا. لأن هذه الشعوب عانت على أيدى حكامها، ألوانا من الاضطهاد، و صنوفا من التعذيب و التنكيل، و أشكالا من التضييق والاعتقال و القتل، فكانت انتفاضتها فطرية، و إرادتها قوية، و شوقها جارف إلى الحرية، و طموحها صادق لبناء نهضتها من جديد، وعلى أسس إنسانية و كريمة.. إن الشعوب الحرة، تقاوم أو تموت، و لا تبيع كرامتها، مهما كان حاكمها متجبرا و متألها، و مهما كانت ضعيفة – في وقت من الأوقات - أو مترددة.
       فالإنتفاضة والثورة والتمرد والحراك الشعبي، مداخل لتحرير الشعوب، و إقامة الأنظمة السياسية العادلة و الديموقراطية، و تشكيل هوية إنسية ترفض العيش في المذلة و المسكنة و الإكراه.. هذا أمر لا يحتاج إلى مجادلة أو نقاش، رصده المؤرخون في مؤلفاتهم، و بنى عليه المفكرون ورجال السياسة نظرياتهم و مناهجهم الفكرية.
       لكن، أن يتحول شعب من هذه الشعوب المنتفضة، من معانقة الحرية، إلى مضاجعة الاستعباد بكل معاني التلذذ و المتعة، فهذا الذي نحتاج إلى تفسيره، و قراءته من كل الجوانب، و الاجتهاد في استخلاص أسبابه ومقدماته و نتائجه.
       لقد ابتلى الله شعوبا من أمتنا ب"جينات" لا تقوى على ممارسة الحرية، و لا تصبر على حلاوة العيش الكريم، و لا تطمئن بمشاركتها في صناعة قراراتها المصيرية.. أي أن الله عز و جل ابتلاها بخصائص جينية تعشق الاستعباد في أشنع صوره، و السباحة، برشاقة نادرة، في البرك الآسنة من الرق المضاعف، و الأعمال الدنيئة والشاقة والمذلة.
        هذه الشعوب المستعبدة بفطرتها، ترضى أن يحكمها رجل واحد، يأتيها، ليس من صندوق الاقتراع، و لا من اختيارها الحر و الإرادي، و لكن من فوق دبابة، أو من جريمة تاريخية لا مثيل لها، و من مساندة إمبريالية، أو من مباركة غربية مسيحية حقودة.. هذه الشعوب ترضى أن يصادر رجل واحد منها، موصوف بالخيانة و الجبن و الغدر، حقها في الاختيار الديموقراطي، وفي العيش الكريم، و في الوصول إلى الحكم، و في تحديد مصيرها الاجتماعي، و في صناعة قراراتها المتعلقة بالحاضر و المستقبل، و في الاختلاف، والحوار، والمناقشة، والنقد، و الاعتراض، و الملاحظة، والاقتراح.
         إن الشعوب المستعبدة بالفطرة و السجية و القابلية، لا تطيع حكامها المستبدون و الطغاة فحسب، و إنما هي تخدمهم في كل أعمالهم؛ جليلة كانت أو ذليلة، حقيرة أو رفيعة، سعيدة أو قاتلة لهم، اعتقادا منها بيقين جازم، على أنهم يملكون بشأنها الحياة و الموت، و أن صلتهم بالله هي صلة نسب و قرابة، أو وحي و إلهام.
          إنها شعوب تمنح لقياداتها الانقلابية الغاصبة، حقوقا مطلقة في سلب أرواحها، و نهب خيراتها، وسرقة منازلها، و تجريدها من متاعها المعنوي و المادي، ومصادرة أملاكها، وتخريب قراها و مدنها، وتزوير تاريخها، وقلب حقائقها، وتعنيف كراماتها باللفظ الجارح والنابي، وضرب أجسادها بالسياط والرصاص الحي بدون رحمة و لا أدنى اكتراث.
نحن ندرك أن يقظة الشعوب العربية حقيقة لا غبار عليها، ستزداد قوة و اشتعالا، و ستحقق المطلوب و المنشود و المأمول، غير أننا ندرك، أيضا، أن الخوف كل الخوف، ليس من عناد حكام الجبر و الطاغوت، وإصرارهم على التمسك بالكراسي العاجية، فهؤلاء ذاهبون اليوم أو غدا إلى مزبلة التاريخ و قذارته، و إنما نخاف من يقظة شعوب تربت على الاستعباد والرق و القنانة، فاستمرأت هذه التربية، و استلذت العيش في حمئها المسنون، فرفضت بشكل قاطع الخروج إلى فضاء الحرية و العزة والكرامة.. و كتابة تاريخ جديد للأمة، يعيد لها الهيبة و الجلال، و يفسح لها مكانا يليق بها وسط الأمم التي تحترم نفسها.



 
  يونس إمغران (2014-03-10)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

الشعوب المستعبدة بالفطرة-يونس إمغران

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia